-
ارتدادات الذاكرة
كتاب ارتدادات الذاكرة
زرت مقبرة أم كامل حيث دفن ضحايا مذبحة الكبكب في مقبرة جماعية، وقفت مضعضعاً مترنحاً بعينين مخدلتين. كانت هناك بيوت متناثرة حول المقبرة أتذكر أن هذا الوادي كان يمتلئ بالمياه حين تنضحنا السماء، لم تكن هناك الكثير من الأودية داخل المدينة، لكن هذا الوادي ظلّ طافحاً بالمياه حتى في سنوات القحط، إلاّ أن وادي أبو كامل الآن يعلوه الغبار.
مشيت فوق المكان الذي كنا فيه تلك الليلة؛ هنا جلس شيخي مغمض العينين هادئا كالنائم، هنا حيث اتكأ بأناقة ورزانة، هنا حيث انهرت وبكيت بحرقة قبل أكثر من أربعين سنة، تركت من أهداني إلى الصراط ورأيت رأس بهرام يتدحرج كالكرة نحو الحفر واتجهت خائفا صوب مسكن الهوساوية
التي وعدتني بالتوبة ثم باعت جسدها في فور لامي التي ازدهرت بعد أن قتلوا أبشة ومن فيها. -
قارب يلاحق مرساه
رواية الفلك المشحون
كم قد عاينتُ تاريخ هذا البحر، مذ كان الفينيقيون يصولون فيه ويجولون، ثم أتى اليونان فأسسوا امبراطوريتهم حول شواطئه ودان بالولاء لأثينا،ثم جاء عصر قرطاجة وحضارتها فبسطت سلطتها على أجزاء منه،وخلَف الرومان القومَ فسيطروا على معظم سواحله حتى عُرف ببحر الرّوم، ليبدأ بعدها عصر المسلمين الذهبي، الّذين بسطوا سلطانهم عليه ابتداءاً من معركة ذات الصواري…في وقت من الأوقات كان أجدادنا يركبون متن هذا البحر فاتحين منصورين، لا تجرؤ قوّةٌ أن تعترض أحدهم بسوء، أو تكدّرَ له مزاجاً، والآن!! آآآه، الآن نعبره أذلّاء خائفين مضطربين لاجئين، نخشی کلّ موجة من أمواجه، وكل قارب يلوح فوق صفحته.